جنة يعقوبي – محررة بموقع الراصد
مع نزول آدم وحواء إلى الأرض رضي آدم وزوجته بما قدر الله سبحانه وتعالى عليهم وقبلوا بهذه الحياة الجديدة وبهذا الواقع الصعب والمؤلم مقارنة مع ما كانا عليه من رغد العيش والنعيم الذي كان في الجنة، وبدأ آدم يتأقلم مع ظروف الحياة الجديدة فقد أوحي إليه كيف يتأقلم مع هذه الحياة ويدير شؤون معيشته، ومن ثم تزوج حواء وأنجب منها الأولاد العدد الكثير.
أولاً: الزواج والتناسل:
إذا كان آدم عليه السلام هو أصل البشرية، الذي خلقه الله ثم خلق الله زوجه بقدرته سبحانه كما شاء وأراد فإنه سبحانه جعل توالد ذريته وتناسلهم بصورة أخرى من صور الخلق البديعة العظيمة، التي تدل على قدرة القادر العظيم والخالق المدبر لما يشاء كما يشاء، فقد جاء خلق آدم بطريقة، وخلق حواء بطريقة غيرها، وجعل سنة الخلق في ذريتهما بصورة كذلك، ليدل ذلك على تنوع القدرة وتعدد صورها وليعلم الناس أنه:﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾.
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ بينت الآية الكريمة أن الله تعالى خلقكم من نفس واحدة وهي نفس آدم عليه السلام وجعل منها زوجها حواء؛ ليأوي إليها لقضاء الحاجة فدعا آدم عليه السلام وحواء ربهما أن يكونا الولد من الصالحين، إذا كان ما في بطنهما صالحاً في الخلق وصالحاً في الدين وصالحاً في العقل والتدبير.
هكذا بدأت الحياة على الأرض بالتزاوج والتكاثر والتوالد ولا بد أن آدم مع شريكة حياته أدار ما حولهم من أمر الأسرة وتوزيع الأدوار وحل المشكلات بطريقة مناسبة وسعوا إلى معرفة نواميس الكون من حولهما وتحقيق العبادة لله .. كوني شريكة في كل التكاليف الشرعية والعمرانية والتربوية وغيرها سيدتي الفاضلة كوني راعية له ومواجهة الهموم و المشكلات التي تعترضه.
والكرامة للجنس البشري في عمومه في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ وبنو آدم ليسوا ذكوراً فحسب، وإنما هم ذكور وإناث.. على الابوين ان يكونا متآلفين وبينهما مودة ورحمة و يحققا مفهوم السعادة للأسرة الإنسانية..إن الله تعالى جعل حواء مشاركة لآدم، فأصل الإنسانية “آدم وحواء، رجل وامرأة” خلقهما الله من نفس واحدة، فهي ليست مخلوقة هامشية لا دور لها في الحياة وإنما هي مثله تحمل نصيبها من تبعة التكليف ومسؤولية العمل والعبادة.
حواء شاركت آدم في الخطأ وأكلت من الشجرة التي أمرها الله أن لا يقربا منها ولا يأكلا، لذا تحملت ذنب ما اقترفته هي، وليس ذنب آدم وذلك بمقتضى كمال إنسانيتها واستقلال شخصيتها استقلالاً كاملاً كالرجل، فكل منهما مسؤول بما يعمله من خير أو شر وكل منهما محاسب على عمله ثواباً وعقاباً.
سيدتي كوني مصدر الحب الأمومي والتضحية السامية لزوجك وذريتك
والرجل مسؤول والمرأة مسؤولة وكلاهما يكملان جوهرة الحياة في الدنيا والآخرة، ولكل بريقه في هذه الجوهرة، لا يطفئ أحدهما الآخر، ويسرق بريقه. بل كل منهما يضيء نوره ويستمده من إشعاع الآخر وبهذا نرى حواء شاركت آدم عليه السلام النسيان والخطأ والألم والانكسار، وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى وشاركته في مسيرة الحياة في السماء والأرض وشاركته في تحقيق سنة الكون، وبدون دورها الأساسي في قصة الخلق، لم يكتمل الحدث، وينمو ويتطور، ويصل إلى الهدف الإيجابي الذي سعت من أجل تحقيقه أمنا حواء وآدم أبو البشر في قصة الخلق، فلذلك دورها رئيسي في قصة الخلق لأنها ساهمت في نمو الحدث مع آدم عليه السلام إلى نهاية القصة.
إن بداية الحضارة الإنسانية الأولى في الأرض بدأت من خلال رجل وامرأة بتكوين أسرة صغيرة على الزواج الذي هو من سنن الله في خلقه، وفي الأرض كانت حوّاء أم الأمهات وقدوتهن في الأمومة وكل ما تقوم به النساء من أعمال، كانت حوّاء قد غزلت، ونسجت، وعجنت، وخبزت وعملت أعمال النساء كلها، ثمّ علّمت بناتها تلك الأمور لتستمر مسيرة البشرية إلى ما شاء الله، إلى أن يرث الأرض ومن عليها.
وآدم عليه السلام هو الأب لكل البشرية، ولم يكن قلقاً أو مكتئباً لأنه بلا أب، ولا حزيناً لأنه الرجل رقم واحد في أسرته ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾